من عاش بالمكر مات بالفقر

من كلام الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :

عقوبات أصحاب الجرائم بضد ما قصدوا له 

فالمحتال بالباطل معامل بنقيض قصده شرعا وقدرا

وقد شاهد الناس عيانا أنه من عاش بالمكر مات بالفقر

ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى من احتال على إسقاط نصيب المساكين وقت الجدادبحرمانهم الثمرة كلها.

وعاقب من احتال على الصيد المحرم بأن مسخهم قردة وخنازير وعاقب من احتال على أكلأموال الناس بالربا بأن يمحق ماله كما قال تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقاتفلابد أن يمحق مال المرابي ولو بلغ ما بلغ

وأصل هذا: أن الله سبحانه جعل عقوبات أصحاب الجرائم بضد ما قصدوا له بتلك الجرائمفجعل عقوبة الكاذب إهدار كلامه ورده عليه

وجعل عقوبة الغال من الغنيمة لما قصد تكثير ماله بالغلول: حرمانه سهمه وإحراق متاعه

وجعل عقوبة من اصطاد في الحرم أو الإحرام: تحريم أكل ما صاده وتغريمه نظيره

وجعل عقوبة من تكبر عن قبول الحق والانقياد له: أن ألزمه من الذل والصغار بحسب ماتكبر عنه من الحق

وجعل عقوبة من استكبر عن عبوديته وطاعته: أن صيره عبدا لأهل عبوديته وطاعته

وجعل عقوبة من أخاف السبيل وقطع الطريق: أن تقطع أطرافه وتقطع عليه الطرق كلهابالنفي من الأرض فلا يسير فيها إلا خائفا

وجعل عقوبة من التذ بدنه كله وروحه بالوطءالحرام: إيلام بدنه وروحه بالجلد والرجمفيصل الألم إلى حيث وصلت اللذة

وشرع النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من اطلع في بيت غيره: أن تقلع عينه بعودونحوه إفسادا للعضو الذي خانه به وأولجه بيته بغير إذنه واطلع به على حرمته

وعاقب كل خائن بأنه يضل كيده ويبطله ولا يهديه لمقصوده وإن نال بعضه فالذي نالهسبب لزيادة عقوبته وخيبته: وأن الله لا يهدي كيد الخائنين.

وعاقب من حرص على الولاية والإمارة والقضاء بأن شرع منعه وحرمانه ما حرص عليهكما قال إنا لا نولي عملنا هذا من سأله

ولهذا عاقب أبا البشر آدم عليه السلام: بأن أخرجه من الجنة لما عصاه بالأكل من الشجرةليخلد فيها فكانت عقوبته إخراجه منها ضد ما أمله

وعاقب من اتخذ معه إلها آخر ينتصر به ويتعزز به: بأن جعله عليه ضدا يذل به ويخذلبه

كما قال تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهمويكونون عليهم ضدا.

وقال تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهمجند محضرون.

وقال تعالى: لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولاضد ما أمله المشرك من اتخاذالإله من النصر والمدح

وعاقب الناس إذا بخسوا الكيل والميزان بجور السلطان عليهم يأخذ من أموالهم أضعافما يبخس به بعضهم بعضا

وعاقبهم إذا منعوا الزكاة والصدقة ترفيها لأموالهم بحبس الغيث عنهم فيمحق بذلكأموالهم ويستوي غنيهم وفقيرهم في الحاجة

وعاقبهم إذا أعرضوا عن كتابه وسنة نبيه وطلبوا الهدى من غيره: بأن يضلهم ويسدعليهم أبواب الهدى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث علي رضي الله عنهالذي رواه الترمذي وغيره وذكر القرآن: من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فيغيره أضله الله فإن المعرض عن القرآن إما أن يعرض عنه كبرا فجزاؤه: أن يقصمه الله أوطلبا للهدى من غيره فجزاؤه: أن يضله الله

وهذا باب واسع جدا عظيم النفع فمن تدبره يجده متضمنا لمعاقبة الرب سبحانه من خرجعن طاعته بأن يعكس عليه مقصوده شرعا وقدرا دنيا وأخرى وقد اطردت سنته الكونيةسبحانه في عباده بأن من مكر بالباطل مكر به ومن احتال احتيل عليه ومن خادع غيرهخدع 

قال الله تعالى: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم.

وقال تعالى: ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله.

فلا تجد ماكرا إلا وهو ممكور به ولا مخادعا إلا وهو مخدوع ولا محتالا إلا وهو محتالعليه


المصدر: إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجوب الغسل علي المرأة بخروج المني منها

هل يجب الغسل من السائل الخارج من المرأة بعد المداعبة

فقر الدم " الأنيميا "