ماء زمزم لما شرب له

السؤال .......

سمعت من علامة محدث سلفي ثقة نحسبه كذلك أن حديث " ماء زمزم لما شرب لهضعيف، وسألت شيخا قال نعم ضعيف، الحديث الصحيح هو "طعام طعم وشفاء سقمأو كما قال، وقلتم أنتم: إنه صحيح.

وأنا شربت ماء زمزم بنية كذا وكذا ولم يتغير الوضع ولم تتحقق النية ليس عندي شك فيكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان قال فقد صدق، ولكن المشكلة فيمن يكذبونعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث آخر لا أدري ما صحته أو من رواه: "منأصابته مصيبة فقال إن لله وإن إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرمنها إلا أجره الله في مصيبته وأخلفه خير منها"، ويقولون: إن أم سلمة قالت هذا الدعاءوقالت من هو أفضل من أبي سلمة بعد ما مات أبو سلمة فعوضها الله بزوج خير منه وهورسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا الحديث صحيح ؟ ومن رواه؟، وهل إذا قلتسيعوضني الله خيرا في دنياي؟ لأني أبحث عن أصدقاء وكل مرة أفقد واحدا وليس ليأصدقاء ومالي حرام أريد أن أحصل على مال حلال وأريد أشياء أخرى، فأرجو التوضيح..


الجواب....


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا الحديث مما اختلف أهل العلم في ثبوته، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد،إن سلم من الجارودي.

قال المنذري في الترغيب والترهيب: سلم منه، فإنه صدوق، قاله الخطيب البغدادي وغيره،لكن الراوي عنه محمد بن هشام المروزي لا أعرفه.

وقال السيوطي في الحاوي للفتاوي.: حديث مختلف فيه، قيل: صحيحوقيل: حسنوقيل: ضعيف .... وقد ألف الحافظ ابن حجر جزءا في حديث ماء زمزم لما شرب له وتكلمعليه في تخريج الأذكار فاستوعب، وحاصل ما ذكره أنه مختلف فيه، فضعفه جماعةوصححه آخرون، منهم الحافظ المنذري في الترغيب، والحافظ الدمياطيقال ابن حجر:والصواب أنه حسن لشواهده... وله شواهد أخر مرفوعة وموقوفة تركتها خشية الإطالة،ولما نظر المنذري والدمياطي إلى كثرة شواهده مع جودة طريق أبي الزبير عن جابر حكماله بالصحة.

وحسنه بطرقه ابن الهمام في شرح فتح القدير، والعجلوني في كشف الخفاء، والألبانيفي إرواء العليل، وصحيح الترغيب والترهيب، وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: حسن،وجوَّد الزركشي إسناده في التذكرة في الأحاديث المشتهرة.

وقال ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد.. : الحديث حسن، وقد صحَّحه بعضُهم،وجعله بعضُهم موضوعاً، وكِلا القولين فيه مجازفةوقد جربتُ أنا وغيري من الاستشفاءبماء زمزمَ أُموراً عجيبة، واستشفيتُ به من عدة أمراض، فبرأتُ بإذن الله.

وقال صاحب الرسالة العلمية ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة: فالحاصل أنهذا الحديث يَتَقَوَّى بمجموع هذه الطرق، فيكون حسناً لغيره لا لذاته كما يفهم من كلامابن القَيِّم ؛ إذ إنَّ طُرُقَهُ كلها لم تَسْلَم من الضَّعْفِوحَسَّنَه الحافظ المنذري في كلامه علىأحاديث المهذبوقال الحافظ ابن حجر: ومرتبة هذا الحديث أنه باجتماع هذه الطرقيصلح للاحتجاج بهوقال مرة: غريب، حسنٌ بشواهده.

وممن صححه من القدماء ابن عيينة، فقد قال ابن المقرئ في تاريخ دمشق: كنا عند ابنعيينة فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد ألستم تزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:ماء زمزم لما شرب له ؟ قال: نعمقال: فإني قد شربته لتحدثني بمائتي حديثقال: اقعدفحدثه بها. .

وسئل ابن خزيمة: من أين أوتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماءزمزم لما شرب له وإني لما شربت سألت الله علما نافعا.

.ولما حج الخطيب البغدادي شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات آخذابالحديث: ماء زمزم لما شرب لهفالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد في بغداد، الثانيةأن يملي الحديث بجامع المنصور، الثالثة أن يدفن عند بشر الحافيفقضى الله له ذلك.

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية عن هذا الحديث فقالت: هو حديث حسن،وحسنه أيضا ابن عثيمين كما سيأتي.

وأما من ضعف الحديث، فمنهم أبو حفص الوراني في المغني عن الحفظ والكتاب حيثقال: لا يصح في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. . ومنهم النووي،فقال في المجموع: رواه البيهقي بإسناد ضعيف من رواية جابر، قال: تفرد به عبد الله بنالمؤمل، وهو ضعيف.

وهذا التضعيف ـ والله أعلم ـ هو لطريق بعينه، وهذا لا خلاف فيه، فإن من حسَّن الحديثأو صححه فبالنظر لمجموع طرقه وشواهدهوإلا فالنووي نفسه قد قال في تهذيبالأسماء: وجاء ماء زمزم لما شرب له معناه من شربه لحاجة نالها، وقد جربه العلماءوالصالحون لحاجات أخروية ودنيوية فنالوها بحمد الله تعالى وفضله.

وقال أيضا: وهذا مما عمل العلماء والأخيار به، فشربوه لمطالب لهم جليلة فنالوها، قالالعلماء: فيستحب لمن شربه للمغفرة أو للشفاء من مرض ونحو ذلك أن يقول عند شربه:اللهم إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب لهاللهم وإنيأشربه لتغفر لي، ولتفعل بي كذا وكذا، فاغفر لي، أو افعل، أو اللهم إني أشربه مستشفيابه فاشفني، ونحو هذا.

وانظر تفصيل الكلام على تخريج الحديث في: فتح الباري، التلخيص الحبير، البدرالمنير، تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، المغني عن حمل الأسفار، المقاصد الحسنة، أسنىالمطالب في أحاديث مختلفة المراتب... وقد سبقت في فضيلة ماء زمزم، والرد على من شككفي ذلك الفتوى رقم: 8709، والفتوى رقم: 3491.

وكذلك معنى الحديث اختلف فيه أهل العلم أيضا، فمنهم من عممه، ومنهم من خصصه،قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: زمزم سقيا الله وغياثه لولد خليله إسماعيلعليهما السلام، فبقي غياثا لمن بعده في كل نائبة، إن شربت لمرض شفيت، و إن شربتلغم فرج عنك، و إن شربت لحاجة استعنت، و إن شربت لنائبة صلحت، لأن أصله منالرحمة بدا غياثا، فلأي شيء شربه المؤمن وجد غوث ذلك الأمر.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: قَوْلُهُ "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لهفيه دَلِيلٌ على أَنَّ مَاءَ زَمْزَمَيَنْفَعُ الشَّارِبَ لِأَيِّ أَمْرٍ شَرِبَهُ لِأَجْلِهِ، سَوَاءٌ كان من أُمُورِ الدُّنْيَا أو الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ (ما) في قَوْلِهِ"لِمَا شُرِبَ لهمن صِيَغِ الْعُمُومِ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: هذا الحديث إسناده حسن، ولكن .. هل المراد العموم وأن الإنسان إن شربه لعطشٍ صار ريانا، أو لجوعٍ صار شبعانا، أولجهلٍ صار عالماً، أو لمرضٍ شفي، أو ما أشبه ذلكأو يقال: إنه لما شرب له فيما يتعلقبالأكل والشرب، بمعنى إن شربته لعطش رويت ولجوعٍ شبعت دون غيرهاهذا الحديثفيه احتمال لهذا ولهذا. .

وقال في موضع آخر: الذي يظهر لي والله أعلم: أن ماء زمزم لما شرب له مما يتغذى بهالبدن، بمعنى: أنك لو اكتفيت به عن الطعام كفاك وعن الشراب كفاك.

ومما ينبغي التنبه له أن حصول المراد لشاربه أو تأخر ذلك لا يستدل به على صحةالحديث أو عدمها، فإن ذلك شبيه باستجابة الدعاء، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِيأَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر: 60}، وليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب في الحال، فقد قال صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياه أو صرف عنه منالسوء مثلهارواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وأحمد، وصححه الألباني.

وقَال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم ينصب وجهه لله عز وجل في مسألة إلا أعطاهاإياه، إما أن يعجلها له، وإما أن يدخرها لهرواه أحمد، قال المنذري: بإسناد لا بأس بهاهـوصححه الألباني في صحيح الترغيب.

فكل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه، كما قالابن حجر في فتح الباري.

ثم ينبغي كذلك أن تراعي شروط وأسباب حصول الإجابة أو القبول أو حصول المطلوب،فقد نبه أهل العلم على أن شرب ماء زمزم لا يفيد شاربه إن فعله مجربا لا موقنا.

قال ابن العربي في أحكام القرآن: النبي صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له.. وأخبر النبي بأن هذا موجود فيه إلى يومه ذلك، وكذلك يكون إلى يوم القيامة، لمن صحتنيته وسلمت طويته، ولم يكن به مكذبا ولا شربه مجربا؛ فإن الله مع المتوكلين وهو يفضحالمجربين، ولقد كنت بمكة مقيما.. وكنت أشرب ماء زمزم كثيرا وكلما شربته نويت به العلموالإيمان، حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربهللعمل؛ ويا ليتني شربته لهما حتى يفتح الله علي فيهما. . وذكر القرطبي أيضا نحو ذلكفي تفسيره الجامع لأحكام القرآن.

وقال المناوي في فيض القدير: من شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث، وقد شربه جمع منالعلماء لمطالب فنالوهاقال الحكيم: هذا جار للعباد على مقاصدهم وصدقهم في تلكالمقاصد والنيات؛ لأن الموحد إذا رابه أمر فشأنه الفزع إلى ربه، فإذا فزع إليه استغاث بهوجد غياثا، وإنما يناله العبد على قدر نيته، قال سفيان الثوري: إنما كانت الرقى والدعاءبالنية؛ لأن النية تبلغ بالعبد. .

ولمحمد بن إدريس القادري كتاب اسمه: إزالة الدهش والوله عن المتحير في صحة حديثماء زمزم لما شرب له،.

وأما حديث أم سلمة فهو ثابت في صحيح مسلم، حيث قالت رضي الله عنها: سمعترسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنالله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله لهخيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيتهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى اللهعليه وسلم... الحديث.

وقد بيَّن السائل الكريم سببا من أسباب منع هذا الخير عن نفسه، حيث قال في سؤاله(مالي حرام، أريد أن أحصل على مال حلال)، فمن المعروف أن المال الحرام مانع من موانعالإجابة، حيث قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلاطيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِوَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌوقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُمْثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب.. يا رب.. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!. رواهمسلم.

قال النووي: (فَأَنَّى يُسْتَجَاب لِذَلِكَ) أَيْ: مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَاب لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ؟ وَكَيْفَ يُسْتَجَابُلَهُ ؟.

فنوصي السائل الكريم بالتوبة والاستغفار، ولزوم تقوى الله والاستقامة على شرعهونفيده بأن من ترك الحرام عوضه الله خيراً منه، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُمَخْرَجًاوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْجَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًاوَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُأَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُمِنْ أَمْرِهِ يُسْرًاذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا{الطلاق}، وفي الحديث: إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منهوقد سبقت بعض الفتاوى التي تفيد السائل في حكم المال الحرام وكيفية التعامل معهوهي تحت الأرقام التالية: 65938، 5876، 55376، 34667، 16295.

والله أعلم.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وجوب الغسل علي المرأة بخروج المني منها

هل يجب الغسل من السائل الخارج من المرأة بعد المداعبة

فقر الدم " الأنيميا "